التسميات

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2011

ماسبيـــــــــرو.. ورقة التوت الأخيرة




أربع وعشرون قتيلا على نحو لم يحدث حتى في أيام الثورة الأولى.
أن يموت كل هذا العدد في مكان واحد وإعتداء واحد
ماتوا دهسًا بالمدرعات ورميًا بالرصاص الحى
لن أسأل من هم.. لن أتساءل عن دينهم أو إعتقادهم أو هوياتهم
لأن النتيجة والمحصلة واحدة.. عدد كبير يفوق الخيال قتلوا في اشتباكات دامية..
نظام حاكم يقمع شعبه ويضع جهازي الأمن فيه في مواجهة مع هذا الشعب
رأسا حربة واحدة هى النظام الحاكم ورأساه (الجيش والداخلية)
لن أبحث عمن بدأ أو أستفز أو تم استفزازه
لن أبحث عن طلقات طائشة أو نظرية مؤامرة فلولية
لأن المحصلة النهائية أن المدنيين مازالوا يقتلون ويدهسون وتلقى أجسادهم الممزقة في الشوارع والميادين ثمنًا لرأى وكلمة واعتقاد..
ثم بعد كل هذا يجد البعض في أنفسهم الجرأة والوقاحة لأن يناقشوا الوضع ويفندوه في جلساتهم..
يحللون وينتقدون بإدعاء سخيف بالحيادية وقناعات وقحة بمن يستحق ومن لا يستحق بدلا من أن يتشحوا بالسواد ويعلنوا الحداد وتضج حناجرهم بالصراخ والغضب.
أربع وعشرون تحولوا إلى بقايا وأشلاء.. تكوموا داخل المستشفيات ككومة من اللحم الفاسد التي يتأفف منه الجميع ويناقشون من السبب في وجود هذه الكومة من النفايات..
ثم يعلنون في النهاية بأنوف مشمئزة أن (لحد إمتى ح نفضل في فوضى) وينسحبون ممارسين أعمالهم الوضيعة غير ذات المعنى وذات المقابل الزهيد، وكلامهم التافه الممل المقنع بالحيادية والعقلانية وسخريتهم القميئة.. ثم ينامون ليلا ملء الجفون في حالة من الرضا عن ذواتهم المجردة من الإنسانية..
وكأن من الطبيعي أن يخرج الناس إلى الشوارع فيدهسوا بمدرعات ويقتلوا برصاص..
يا سادة هذه جرائم قتل عمد.. وجرائم القتل لابد أن نبحث عن فاعلها لا أن نبحث عن ماضي ودين وتوجهات وتصرفات القتيل..
ابحثوا عن القاتل.. ولا تسلخوا القتيل بنقاشاتكم كما لو كنتم تحللون مباراة أحرز فيها أربع وعشرين هدفًا..
هناك قتلة طلقاء لم يكلف أحد نفسه عناء المطالبة برؤوسهم.. بل سلخوا الموتى وسكروا بدمائهم المراقة في جلساتهم المسائية أمام التليفزيون أو أمام الكاميرات..
سيذهب الجميع.. سيذهب كل من شهد على هذه الوقائع المخزية يومًا .. وسيبقى فقط مشهد كومة اللحم التي قتلت في مجزرتين.. مجزرة ماسبيرو ومجزرة الألسنة التي تدعي العقلانية
سيبقى مفهوم الإنسانية عصي علينا.. ربما هو أسمى من أن نعرفه..
الدم المراق واللحم الممزق والوجوه الخالية من تعبيرات الحياة
ستبقى  تذكر من يأتي بعدنا أن الإنسانية لا تبحث عن دين أو عرق أو جنس
إن الوطن الذي تلقى فيه الأجساد على قوارع الطريق.. الوطن الذي يتأفف فيه الناس من القتيل لا القاتل، بينما القتلة يحمدون الله ويطمئنون الناس في مداخلات تليفونية لهو وطن لا يحتاج إلى ثورة لكن إلى إعصار مدمر حتى يمكن أن يبدأ الناجون حياة جديدة.. فربما اكتشفوا أن الإنسانية هى الركيزة الأساسية لها..
صرنا نناقش بعقلانية فجة في الوقت الذي يجب فيه أن نبكي وننوح
أنا لا أطالب سوى أن نسمح لإنسانيتنا أن تقودنا ولو للحظات من الحزن والحداد
أم هل فقر واقعكم امتد ليشمل أرواحكم!!
واقعة ماسبيرو كانت ورقة التوت الأخيرة التي أظهرت عوراتنا